روما ومروى في متحف بوسطن للفنون الجميلة
لندساى آللسون- جونز Lindsay Allason-Jones
يمكن القول بأن علم الآثار المنظم الحديث قد بدأ في النوبة بأعمال د.جورج رايزنر. بدأ تنفيذ هذا العمل تحت رعاية بعثة هارفارد-بوسطن, في عام 1905 واستمر حتى وفاة رايزنر في عام 1942 . ونشرت نتائج التنقيبات عن طريق متحف بوسطن للفنون الجميلة بإشراف دوز دنهام Dows Dunham في الفترة بين 1950 و 1982 .
حينها، كما هو الحال اليوم، كانت المواد المكتشفة في السودان تقسم بين المؤسسة المنقبة ومصلحة الآثار السودانية، ولذلك توجد العديد من الآثار السودانية هنا في بوسطن. هدف هذه الورقة هو إعطاء فرصة للمؤتمرين للمزيد من التعرف على المصنوعات التى يرجع تاريخها للعصر المروى من المصادر في إطار الإمبراطورية الرومانية والموجودة حالياً في مخزن متحف بوسطن للفنون الجميلة أو في صالة العرض والتي يمكن مقارنتها مع المواد التى تجرى دراستها كجزء من مشروع المصنوعات الرومانية في متحف السودان القومي.
وبحوزة متحف بوسطن للفنون الجميلة عدد من المجلدات التى تمثل دفاتر يوميات لحفريات رايزنر. احتفظ بتلك الدفاتر سنوياً كسجل لكل موسم وتكون عادة تحت مسئولية أحد الطلاب المعينين من بوسطن. تقدم تلك الدفاتر ليس فحسب صلة بالعمل الجاري يومياً أثناء التنقيبات بما يسمح للباحثين الحاليين من إعادة تركيب المصدر وظروف الاكتشاف بدقة بالنسبة للمصنوعات المنفردة، وإنما توفر أيضاً رؤية ثاقبة في لوجستية التنقيب في السودان في السنوات المبكرة من القرن العشرين المنصرم.
الفخار المصرى المكتشف في مدافن كرمة القديمة والوسطى في كرمة
يانبن بورياو Janine Bourriau
تعتمد الورقة على دراسة أجراها الباحث لمجمل الأوانى والشقوف للفخار المصري المكتشف خلال التنقيب في مدافن كرمة القديمة وكرمة الكلاسيكية في كرمة، التى أجريت تحت إشراف شارلس بونيه Charles Bonnet .
يمكن للفخار أن يوفر بينة تسهم في تحديد تاريخ مقابر منفردة وفي التاريخ النسبي لمناطق مختلفة من الجبانات. كذلك يمكن الإشارة بصورة عامة إلى المكان في مصر الذى استوردت منه تلك المصنوعات.
هذه البينة الجديدة تسلط الضوء على الأنماط المتبدلة للاتصال والتبادل بين مصر والنوبة خلال هذه الفترة الممتدة، من المملكة القديمة حتى بداية المرحلة الانتقالية الثانية.
الشكر موجه إلى بياتريس بريفاتى Beatrice Privati وشارلس بونيه على دعوتهما للباحث لدراسة هذه المواد ولـ وليام شينك William Schenck الذى حبر الرسوم المنفذة بالقلم الرصاص والقيام برسوم جديدة لهذه الورقة.
ستانلى يورشتين Stanley M. Burstien
التفاعل بين النوبة ومصر هو أحد الموضوعات الأساسية للتاريخ النوبي. ما كانت تلك العلاقات وثيقة بالقدر الذى شهدته في الفترة بين الغزو الروماني لمصر في 30 ق.م. ومنتصف القرن الثالث الميلادي. النتيجة بروز وضع يكاد يكون متفرداً في تاريخ الحدود الرومانية: علاقة دامت على مدى ثلاثة قرون اتسمت بتقبل ضمني من جانب روما لاستقلال دولة متمدينة أخرى.
رغم إثارتها وأهميتها فإن الدراسات الخاصة بالعلاقات بين مصر الرومانية ومروى في القرون الثلاثة الأولى للميلاد فإنها تظل شحيحة وقديمة. الجوانب الثقافية للعلاقة نالت القدر الأكبر من الاهتمام المحدود من قبل الدارسين الذين تناولوا الموضوع، مع التركيز على التعرف على البينة الدالة على التأثير الثقافي الإغريقي المتزايد على النوبة, القليل نسبياً من الاهتمام وجه إلى طبيعة الوجود الروماني في النوبة السفلى.
التواجد الروماني في النوبة السفلى دام من عشرينيات ما قبل الميلاد حتى منصف القرن الميلادي الثالث عندما أدى عامل ثورة داخلية في مصر بالإضافة إلى إصرار مروى على احتلال مؤقت للنوبة السفلى من جانب مروى. تصر وجهة النظر التقليدية ( الاورثوذوكسية ) في البحث الحديث على فرضية أن العلاقات بين روما وكوش قد حتمتها "اتفاقية ساموس" المبرمة بين أغسطس ومروى في عام 20 ق.م. والتي اعترفت فيها روما باستقلال الكوشيين. تجادل هذه الورقة بأن هذا الاستنتاج خاطئ وأن "اتفاقية ساموس" هي مجرد أسطورة ابتدعها العلماء وأنها كست بالغموض طبيعة السياسة الرومانية في النوبة السفلى والاستجابة المروية لها.
رؤية جديدة على الأعمدة الأسطوانية من نورى، السودان
سوزان جينسيكى Susanne Gänsicke
من بين مكتشفات حفريات جورج رايزنر في نورى كانت هناك ستة وعشرون قطعة اسطوانية منمقة بمعدن ثمين، والتي تم تقاسمها بين متحف السودان القومي في الخرطوم ومتحف بوسطن للفنون الجميلة. تلك القطع التى تم العثور عليها في المدافن الملكية يرجع تاريخها للفترة الممتدة من القرن السابع حتى الرابع ق.م.، هي بمثابة أنابيب صغيرة مجوفة، مختومة من الأسفل ومفتوحة من أعلى ومزينة من الخارج بمنظر الآلهة وأيقونات دينية. ولكونها فريدة بالنسبة لثقافة عصر نبتة فقد نالت تسمية "الأغمدة الأسطوانية". صنعت من الذهب أو الفضة المطلية بالذهب، ومزخرفة بالتطريز والتحبيب بل حتى التبطين من حجارة شبه ثمينة، وهىا متشابهة جداً من حيث الحجم والشكل لكنها جد مختلفة من حيث النوعية، والتقنية، والزخرف. تقدم الورقة الاستنتاجات الأكثر حداثة حول أصل تلك القطع، ومعناها، ووظيفتها من خلال إعادة الدراسة الفنية التى أجريت في عام 1997 في متحف بوسطن للفنون الجميلة من جانب الباحث. ويدين الباحث للدكتور تيموثى كندال Timothy Kendall على المساعدة في تفسير تفاصيلها الايقونية.
ماوراء نبتة: البينة ما قبل التاريخية في منطقة نبتة
الينا جارسيا Elena A.A. Garcea
المنطقة المصدق العمل بها بالنسبة لجامعة كاسينو تمتد على مدى 20 كيلومتر من الأرض المحاذية للنيل فيما بين كريمة ومجاشى، على الضفة الغربية للنهر، إلى الجنوب من الشلال الرابع. نقطة الاهتمام بالنسبة لمشروع البحث، الذى تشرف عليه إيرنا فينسنتيللى Irene Vincentelli تمركزت حول عصر نبتة. مع ذلك كشف المسح السطحي الشامل للمنطقة عن عدد من المكتشفات التى يرجع تاريخها إلى ما قبل وما بعد عصر نبتة.
ستأخذ الورقة الحالية بعين الاعتبار البينة ما قبل التاريخية في المنطقة. تمَّ تسجيل وتخريط عدد من المواد ما قبل التاريخية، مؤرخة من الأشولية حتى العصر الحجري الحديث المتأخر. من بينها موقعين: عوين شامي وجبل رفاعة أظهرا قدراً من المحافظة. كانا يقعان بالقرب من الموقع النبتي في الكرو. أشارت اللقيا إلى أن الموقعين يدلان على موقع إقامة يرجع تاريخها للعصر الحجري المتأخر يقوم على قاعدة معسكرات فصلية موزعة بامتداد وادى النيل. احتوى الموقعان على أدوات صوانية مع أدوات مصنوعة من مواد مختلفة.
أجريت عمليات تجميع سطحي منتظم في الموقعين وتمت دراسة كل المواد الصنعية وصنفت. سيتم تقديمها في المؤتمر. كما وستجرى مقاربة بين الموقعين.
أثبتت البينة من عوين شامي وجبل رفاعة أنها ذات أهمية خاصة على الأقل لسببين. أولاً وقبل كل شئ، أن الموقعين شكلا مكانين للإقامة المستقرة. هذه الأخيرة عادة ما يكون وجودها في العصر الحجري المتأخر شحيحاً، وهو العصر المعروف في الأساس من خلال جباناته. ثانياً، بما أن الموقعين تم تأريخها بالألفية الخامسة من تاريخ اليوم أي الألفية الثالثة ق.م. فإنهما قدما إشارات على إمكانية العلاقات بين وادي النيل الأسفل وشرق أفريقيا عبر النوبة خلال تلك الفترة. احتمالا، كان الموقعان بمثابة معسكرين فصليين استخدمهما البدو الرعاة الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من النوبة وقد يكونوا اشتركوا في تجارة ممتدة على مدى واسع في المنطقة.
بينة أخرى مثيرة هي مكان الموقعين ما قبل التاريخيين. المنطقة ظلت معروفة جيداً من حيث البقايا الخاصة بالمرحلة التاريخية، لكنها ظلت معروفة بصورة فقيرة بالنسبة لمواد مبكرة أسبق. العصر الحجري الحديث المتأخر، بخاصة، ظل من المعروف وجوده فقط أبعد إلى الجنوب في إقليم دنقلا، في حين أن مواد الخرطوم المبكرة تم الكشف عنها في جبل البركل. لم يتم الكشف عن أية بينة للخرطوم المبكرة في منطقة الترخيص.
فرنسيس جيوز Francis Geus
خلال الموسم 1996-1997 في جزيرة صاي اكتشفت البعثة الآثارية الفرنسية موقعاً جديداً وقامت بالتنقيب فيه، والذي أؤرخ طبقاً لتحليل الكربون المشع 14 بحوالي 2700 ق.م.، وهى فترة زمنية غير موثقة بصورة جيدة بحيث أن علماء الآثار يطلقون عليها عادة مصطلح "ما قبل كرمة".
كشفت الحفريات المحدودة التى أجريت في فبراير من عام 1996 وجود حفر للتخزين تحتوى على شقوف فخار، وأدوات صوانية، وخرز من بيض النعام، وعظام حيوانية، وفحم، وكذلك- وهو ما يثير الدهشة- بقايا نباتية دقيقة. المنظر عبارة عن مركبات حفر دائرية مغطاة بكتل من حجر الشيست الملصوقة بعضها بالآخر بالطين. بعضها وجد في وضعه الطبيعي دو أن يكون قد تعرض لمساس بأغطيتها الأصلية، لكن في أغلب الحالات، كانت ممتلئة بالرواسب. في حالات استخدمت جرار تخزين كبيرة داخل الحفر لكن حتى الآن لم يتم الكشف عن أى منها في وضعها الطبيعي.
يشتمل فخار الموقع على كميات كبيرة من الشقوف التى تنتمي للجرار الحمراء والبنية والسوداء والحمراء ذات العنق الأسود والتي كانت ذات أحجام مختلفة بما في ذلك الأنواع المتموجة والمحزوزة والمضغوطة التى تشير إلى مرحلة انتقال بين تقاليد العصر الحجري الحديث وتقاليد كرمة. القليل من الشقوف ينتمي إلى جرار مستوردة من مصر، وهى حقيقة ذات أهمية كبيرة، ذلك أنها أقدم البضائع ذات الأصل المصري التى وجدت في وضعها الأصلي in situ إلى الجنوب من بطن الحجر.
البقايا النباتية شملت أوراق شجر، وشوكات، وبذور تبدو طازجة للدرجة التى تدفع للاعتقاد بداية أنها دخيلة. الفضل يعود إلى تعاون كاثارينا نيومان Katharina Neuman (من فرانكفورت) وباربارا زاخ Barbara Zach (من كولون) في أن كل العينات التى تم تجميعها حتى الآن، بما في ذلك المواد المتفحمة، هى قيد عملية التعرف عليها. تشير النتائج الأولى إلى وجود الحنطة Triticum dicoccon ، والشعير، والسنط.
فلودزيميرز جودليفسكى Wlodzimiersz Godlewski
ظل تاريخ المقرة، أحد أكثر الممالك قوة في أفريقيا القروسطية، مهملاً إلى حد بعيد؛ الفترة المبكرة للملكة غامضة تماماً. انعدام المصادر التاريخية وشح الأبحاث الآثارية في المنطقة بين الشلالين الثالث والرابع قادتنا في الماضي إلى تفصيل بعض الاكتشافات. الأكثر صعوبة هو أن نخلق من تلك المكتشفات العشوائية صورة شاملة للأحداث وروية تاريخية.
باستخدام البينة الآثارية من دنقلا وبمناقشة بعض المصادر المعروفة جيداً، ستحاول هذه الورقة، من تناول جديد، إعادة تركييب الوضع التاريخى في المقرة بين نهاية القرن الخامس ونهاية القرن الثامن: بداية المملكة بعاصمتها في دنقلا، وتنصير المقرة، والتنافس مع نوباديا وإخضاع المملكة الشمالية، والحرب الناجحة مع العرب وإنجاز اتفاقية البقط، والوضع التنظيمي للكنيسة في المقرة والسياسة الإمبراطورية للملكين ميركوريوس وسيرياكوس في القرن الثامن، عندما أنجزت المقرة في الغالب توحيد كل النوبة.
بريجيت جراتيان Brigitte Gratien
قادت أعمال التنقيب المختلفة التى أجريت في القلاع المصرية في النوبة إلى الكشف عن آلاف من انطباعات الأختام التى يرجع تاريخها للفترة الممتدة من الأسرة الثانية عشر حتى الثامنة عشر والتي تنتمي لأنواع مختلفة: أختام ملكية، وأختام لمؤسسات أو لنظائرها المحلية، وأختام لموظفي الخدمة المدنية، وأختام خاصة. بالإضافة، سمح التحليل الآثارى للمباني بالكشف عن وظيفة عدد من المركبات المعمارية وتحديدها وبإجلاء الدور الوظيفي للإدارة المحلية، كما دللت على ذلك العديد من الدراسات الحديثة.
تدل دراسة الوجه الآخر لانطباعات الأختام على المادة التى التصق بها الختم: مثل البردي؛ العديد من تلك الوثائق تظهر الصلات المباشرة مع عاصمة مصر وبصفة خاصة مع مكتب الوزير في طيبة أو أيضاً الصلات بين المراكز النوبية فيما بينها. متكررة أيضاً الأختام الملتصقة بقوائم أبواب المباني إما على البوابة الرئيسة للقلعة أو على أبواب المساكن الخاصة. على كل فإن غالبية الأختام التصقت بالحاويات، الخشبية أو الجلدية، وبالسلال مما يؤكد حركة البضائع والعلاقات التجارية بين المراكز النوبية المختلفة نفسها إلى جانب العاصمة المصرية.
أعمال التنقيب الجارية حالياً من جانب بعثة جامعة جنيف في كرمة نتج عنها اكتشاف أختام جديدة، والتي بالإضافة إلى مكتشفات رايزنر تسلط ضوءاً جديداً على العلاقات المتطورة بين البلدين.
معظم الأختام والانطباعات التى اكتشفها رايزنر أساساً في المخازن والهياكل في المنطقة المحيطة بالدفوفة الغربية، أو في الجبانات المجاورة للهيكل KXI وفي مركبات المدافن KIII,KIV,KX ,and XVIII ، تؤرخ من حيث الأسلوب بالمرحلة الانتقالية الثانية. الوثائق التى كشفت عنها بعثة جامعة جنيفا تأتى إما من منطقة الميناء النهري ( نهاية المملكة الوسطى والمرحلة الانتقالية الثانية ) ، أو من المدينة، والمباني، والترسبات في الحفر من مرحلة كرمة الوسطى أو مرحلتها الكلاسيكية ( والتي يرجع تاريخها للأسر 12-15 ) .
تنتمي تلك لنوعين رئيسين تتوافقان مع أصلين مختلفين تماماً:
- أختام محلية الصنع، مصنوعة من العاج، والعظم أو الصلصال ( مسطحة أو جعرانية الشكل ) ، محفورة بأنماط زخرف هندسية، في الأساس شبكية وتصاميم قائمة على المثلثات المحفورة، وانطباعاً أختام. وبما أن تلك يعود تاريخها إلى كرمة الكلاسيكية/ المرحلة الانتقالية الثانية، فإنها تدعم وجود إجراءات تسجيل وعد، وهو ما دلل عليه التعرف على أختام المكاتب الإدارية في القصر وبالقرب من بوابات المدينة.
- أختام مصرية الصنع، متماثلة مع تلك التى تمَّ الكشف عنها في المواقع النوبية، والتي أرجعت إلى النصف الثاني من المملكة الوسطى وتظهر إشارات وقائية، وتصاميم زهرية أو لوالب، وألقاب و/أو أسماء لبعض صغار الموظفين ( smsw, s э b iry Nhn, smsw hryt, iry htm ) ، أو من ذوى المناصب العليا في الحكومة مثل نائب الحاكم أو المبعوث الملكي.
مجموعة ثالثة يعود تاريخها للمرحلة الانتقالية الثانية وتشتمل على أختام مغطاة بنقوش حيوانات نسبية أو أشكال ملكية، أو أيضاً أسماء ملكية يعود تاريخها للأسرة الخامسة عشر، أو مجدداً تعابير مميزة لتلك الفترة.
بالإضافة، طالما أن تلك الآثار مميزة كلياً لكرمة، فإنه يمكننا التعرف، على الأقل من بين المكتشفات في قلعة ميرجسا/ايكن، على أكثر من عشرين ختماً من نوع كرمة من المرحلة الانتقالية الثانية تحمل تصميمات شبكية ومثلثات منقوشة.
تسلط تلك الحقائق الضوء على العلاقة بين مصر وكوش، بدءاً من احتلال النوبة السفلى من جانب جيش الفرعون خلال الأسرة الثانية وعشر وما بعد، وذلك في كلا الاتجاهين، من مصر إلى كوش ومن كوش إلى الشمال أيضاً.. تشير التنقيبات الأخيرة إلى الكثافة السكانية المرتفعة إلى الجنوب من كرمة ( وادي الخويَ، وحوض لتَي... ) إلى جانب أهمية الموارد الاقتصادية الكامنة وتنوعها في مملكة كوش، بفضل التطور الملموس للزراعة والرعي في المنطقة، كل هذا مضافاً إلى الموارد الناشئة عن الدور الذى قامت به كوش وسيطاً بين مصر وأفريقيا، فقد سارت عمليات التبادل الاقتصادي مع مصر على مدى فترة المملكة الوسطى = مرحلة كرمة الوسطى؛ خلال المرحلة الانتقالية الثانية، يبدو أن الصلات الأقرب كانت مع ملوك الهكسوس، مؤكدة بالتالي على مسلة كاموس، طالما أنه تم التعرف على عدد من الخراطيش الملكية في العاصمة النوبية.
سيكون ممكناً بالتالي القول بأن السلع والكنوز والمخازن وغيرها من الإمكانيات التخزينية في القلاع المصرية وما يحيط بها، لا تعتمد فحسب على كم البضائع المستوردة من مصر، ولكن فرضت أيضاً بفعل كثافة التبادلات مع بلاد كوش.
يوهن هالوف Jochen Hallof
تؤلف النقوش بالرموز الهيروغليفية والمروية جزءاً تكاملياً في زخرف هياكل أهرام الجبانات الملكية لمملكة مروى في البركل ومروى. كجزء من نشر أهرام وهياكل أهرام هذه الفترة في إطار مشروع "مدافن كوش" [ يتكون الفريق من ف. هنكل مهندساً، وج. يلين متخصصاً في النصوص ] يجرى التخطيط لترتيب كل نقوش هياكل الأهرام، وتحريرها وترجمتها.
تختلف النصوص المحفورة اختلافاً بيناً في طبيعتها ونوعيتها. في معظم الحالات يتيسر قراءة أسماء الآلهة التى كتبت بالهيروغليفيات فوق الأشكال المصورة وبجانبها. الشئ نفسه يمكن قوله عن ألقاب المناظر الخاصة بالقرابين حيث يمكن للمرء أن يجد نظائر جيدة في النقوش المصريَّة المعاصرة في العصر اليوناني الروماني. على كل تظل السجلات غامضة ومشظاة. في ذلك النوع من النقوش، يمكن للمرء أن يلاحظ بين الرموز الهيروغليفية المصرية وجود هيروغليفيات الخط المروى. أسباب هذا النوع من الخلط غامضة وغير واضحة- احتمالا أن تشير إلى تدنى المعرفة بالخط المصري واللغة المصرية. لسوء الطالع فإن النقوش كثيراً ما تكون في حالة سيئة ويصعب قراءتها.
تقارير رحالة القرن الماضي ورسومهم وصورهم الفوتوغرافية تقدم عوناً قيماً في إعادة تركيب النصوص. أكثر المصادر أهمية على كل تتجسد في الثلاثمائة عصارة ورقية لتلك النقوش والتي قام كارل ريتشارد لبسيوس وهنرى برستد بتنفيذها ( ؟ ) والمخزونة في أرشيف أكاديميَّة العلوم الألمانية في برلين Berlin-Brandenburgische Akademie der Wissenschaften وهى تسمح بإعادة تركيب بعض الرموز، والأجزاء المنفردة وفي حالات نصوص كاملة والتي دمرت في فترة أعقبت عملية عصرها.
ماتيو هونجر Matthieu Honegger
موقع الإقامة الذى يعود تاريخه لعصر ما قبل كرمة يقع إلى الأسفل من مركز جبانة مدينة كرمة القديمة. كشف عنه شارلس يونيه في عام 1986 ، والذي اقترح حينها تعريفه مع ثقافة ما قبل كرمة، وهو تعريف قام على أساس عينات الفخار المكتشفة في أكثر من مائة حفرة للتخزين. غطت الحفريات مساحة بلغت ألف متر مربع وكشفت عن سلسلة من الأكواخ التى تفاوتت من حيث القطر بالإضافة إلى مبان مستطيلة.
مدت الحفريات الجديدة التى نفذت بين 1995 و 1998 الدراسات، وقدمت رؤية جديدة للموقع. تمَّ تحديد منطقة تخزين مكونة من حوالي 500 حفرة تلك التجاويف ما كانت كلها في حالة حفظ جيدة، بعضها كان قد دمر بفعل تشييد مدافن يرجع تاريخها إلى عصر كرمة. بالقرب من هذه المنطقة الجماعية للتخزين، تمَّ التعرف على العديد من أنواع المنشئات عن طريق حفر الأعمدة. الغالبية منها تتوافق مع منشئات دائرية ذات أقطار تتراوح ما بين المتر الواحد والسبعة أمتار. 49 من تلك المنشئات تمَّ التعرف عليها. الأكبر من بينها يتماثل مع منازل، في حين أن الأصغر يمكن أن يؤلف سايولات منصوبة ترتبط بكل كوخ. ثلاث مبان مستطيلة تم تشييدها أيضاً من أعمدة خشبية. واحد منها أعيد تشييده ثلاث مرات بالتحديد في ذات المكان يشير ذلك إلى الأهميَّة المعقودة بهذا المبنى، والذي كانت له ولا شك وظيفة ميزته عن الأكواخ. مد الحفريات إلى أقصى الموقع أدت إلى الكشف عن سياجات عديدة ذات أحجام هائلة ومعقدة. المنشئات الدفاعيَّة الضخمة تذكر المرء بحصون شبيهة تمَّ حفرها في موقع المدينة القديمة في كرمة. تشير دراسة جزء كبير من الجبانة بالإضافة إلى المسح الطبوغرافي للمنطقة المحيطة بموقع التنقيب إلى وجود امتداد معلوم للإقامة في عصر ما قبل كرمة. المادة المكتشفة في المستويات الآثارية, لكن أساساً في حفر التخزين، اشتملت على مصنوعات فخارية، وحجارة مكسرة، وحجارة للطحن بالإضافة إلى بعض أشكال معبودات مؤنسنة أو حيوانية. تمثل الفخار في العديد من الأشكال المكتملة والمئات من الشقوف، والتي تسمح بالتعرف بصورة دقيقة على ما قبل كرمة من خلال نظائرها الثقافية المعاصرة والأكثر حداثة. يظهر فخار ما قبل كرمة تماثلات مع بعض المصنوعات من ثقافة المجموعة الأولى المتأخرة. عدد من الشقوف المصنوعة من صلصال بيجى، غير مزخرفة أو مزخرفة بموضوعات ملونة بالأحمر، تشبه المصنوعات من بيض النعام. سمات أخرى تشمل فخاراً ذو عنق أسود وفخاراً يتميز بقاعدة ضيقة، في حالات مسطح القاعدة. رغم أن الجرار ذات الزخرف المتموج هي الأكثر تواتراً، ويكون هذا الزخرف عموماً محدوداً في شريط يقع أسفل الحافة. نقاط تشابه مع مصنوعات كرمة الفخارية عديدة كما تنعكس في أشكال السطح والمعالجة المتطابقة في الثقافتين. حتى الآن لم يتم الكشف عن شقف واحد لفخار مستورد من مصر.
التشابهات الثقافية المذكورة بعاليه تسمح لنا بتحديد موقع ثقافة ما قبل كرمة في النصف الأول من الألفية الثالثة ق.م.، احتمالا بوقت قصير سابق لكرمة القديمة. عمليات التأريخ الراديوكاربونية الجارية لا بدَّ أن تؤكد تلك التقديرات. إن التساؤلات التى تثيرها مواقع ما قبل كرمة تشمل توقعات حول أصل مملكة كرمة والوجود الفعلي لشكل أولى من البنية السياسية المركزية.
بيرجيت كيدنج Birgit Keding
يمثل وادي هور، الذى يعلم حالياً الحدود بين الصحراء القاحلة والسافانا المعشوشبة، أحد أطول أنظمة الأنهار الجافة في الصحراء الشرقية، ويمتد إلى أكثر من ألف كيلومتر. يلتقي وادي هور، الذى يجرى من منطقة تشاد الشرقية باتجاه الشرق-الشمال الشرقي، بالنيل قبالة دنقلا رابطاً بالتالي أفريقيا الداخلية بوادي النيل خلال الهولوسين المبكر.
الأهمية الخاصة لوادي هور كمنطقة مفضلة إيكولوجياً وكطريق اتصال في الأزمان الغابرة مسجلة عن طريق التشتت الكثيف للمواقع على حافتيه، والتي تؤرخ كلها مبدئياً بالفترة مابين الألفيتين السادسة والأولى ق.م.
تركز الورقة على العلاقات بين سكان الأقسام المختلفة لوادي هور والمناطق المجاورة في هذه الفترة. العمل الميداني في يناير/ فبراير 1998 في عرق انييدى، التى كانت منطقة بحيرة سابقة إلى الشمال الغربي من وادي هور الأوسط وجبال تاجرو إلى الجنوب من وادي هور، قدمت بينة دالة على اتصالات مكثفة بين تلك المناطق. في المناطق الايكولوجية المختلفة، يبدو أن تحولات في الاستخدام وفي السكان أيضاً تنعكس في السجل الآثارى.
فيما يتعلق بمرحلتي الهولوسين الأوسط والمتأخر، تظهر التحولات السكانية في تلك المناطق تركيزاً متزايداً في منطقة وسط وادي هور والتي يبدو أنها نتجت عن ظروف الجفاف المتزايد. يثير هذا التطور تساؤلات حول البيئات المتغيرة واستجابات الإنسان.
اليانورا كورماشيفا Eleonora Kormysheva
ستركز المناقشة على موضوعين: أصل أشكال آمون التشبهية بالإنسان وبرأس الكبش في المعابد النوبية، والسمات الأساسية لعبادة آمون في مملكة مروى كنتيجة لتطور هذه العبادة.
أ- آمون المشبه إنساناً
التمثيل التشبهى الإنساني لآمون المحتفظ به في الآثار الكوشية حتى نهاية مملكة مروى كان نتيجة استعارة هذا الشكل من التصوير الايقوني الطيبى. كان إدخال هذه الصورة نتاج الهيمنة المصرية على كوش في المملكة الحديثة. الإبقاء على هذه الصورة، حتى في الأيقونات المروية المتأخرة، يمكن تفسيره بالذهنية الدينية والتقاليد المحافظة.
يمكن التشديد بأن الصورة التشبهية بالإنسان لآمون مع الصفات النبتية المحددة مثل آمون النبتي أو آمون الجبل المقدس، منحت بشكل مصري خالص. تؤكد تلك الصور أن المصريين أرادوا أن يخلقوا في كوش ( بخاصة في جبل البركل ) عبادة روح ( كا ) آمون الطيبى، وأنهم عدوا آمون النبتي واحداً من الأشكال التعبدية لآمون بوصفه إله الدولة في مصر.
ب- الظهور الايقوني لآمون الكبشى الرأس يبدو مرتبطاً بالنوبة؛ جذوره من الممكن تتبعها بوضوح في الرسوم الصخرية للصحراء. مع ذلك فإن أكثر الإشكالات أهمية ترتبط بظهور آمون كبشي الرأس في الأيقونات في المعبد الرسمي، والتي كان عليها أن تعكس إدخالاً رسمياً لمثل هذه الصورة في منظومة الدولة الثيولوجية. انطلاقا من وجهة النظر هذه فإن تماثلات آمون الكبشى الرأس مع قرص الشمس والصل على الرأس، كما هو الحال في أبى سمبل، لا بدَّ من مناقشتها بصورة خاصة. أشكال مماثلة توجد في كوة. أصبحت هذه الصورة لاحقاً واحدة من التماثلات الممكنة لآمون في المعابد السودانية القديمة.
حقيقة كون أن آمون قد عد في النوبة كاءً ( روحاً ) لآمون في طيبة إنما تدعم الفكرة القائلة بأن عبادته كانت تواصلاً منطقياً لعبادة آمون في مصر. على كل فإن آمون في مصر فيما قبل الأسرة الثامنة عشر كان مرتبطاً بالأوزة أو الحيَّة لكن ليس بالكبش أبداً. الكشف في مقابر كرمة عن قرابين حملان، ونعاج، وكباش متوجة بموضوعات كروية أو بريش نعام بدأت تشير إلى أن تلك الحيوانات قد تكون ألهمت الشكل الجديد لآمون. تشير تلك الحقائق إلى أن شكلاً ما من التأويل المصروى قد بدأ بعيد تأسيس الصلات الثابتة بين مصر وكوش، وقوىَّ ونتج خاصة في تصوير آمون برأس كبش.
آخذين في الحسبان أنه قبل الاحتلال المصري قد وجدت عبادة كبش محلية في النوبة ( بخاصة في كرمة ) فإنه يجوز الافتراض بأن سبب ظهور آمون كبشى الرأس يكمن في التحام عبادة آلهة رئيسة، تحديداً آلهة مصر وكوش. يمكن لهذا الالتحام أن يكون قد تم عبر التفكر الترابطي: أي من خلال علاقة الكبش بالماء والشمس والتي لا تتناقض مع المبادئ الأساسية للتركيب الديني الفلسفي المصري بشأن آمون. هذه العملية التوفيقية يمكن أن تكون بهذا القدر أو ذاك طويلة المدى وأدت إلى خلق أشكال جديدة لآمون. بظهوره في الأيقونات الرسمية منذ الرعامسة أصبح آمون كبشي الرأس أحد تماثلات آمون في كل من كوش ومصر.
ج- تطور عبادة آمون
بعد إدخاله إلى النوبة، اقتنى آمون سمات جديدة ما كانت معروفة من قبل. ففي أبى سمبل يستطيع المرء ملاحظة صل ضخم أمام آمون، وهو ما لم يلاحظ أبداً في مصر. أصبح الصل الضخم سمة نوبية مميزة لآمون. ونمت لتصبح جزءاً من رمز خاص يمثل الجبل المقدس وذروته. العديد من الأشكال الخاصة الأخرى تمَّ خلقها في النوبة كما سنوضح.
صورتان أساسيتان لآمون- التشبهية الإنسانية ورأس الكبش- سارت عبر التاريخ القديم للمدنية السودانية. عُدَّ آمون كبشي الرأس معبوداً محلياً؛ في حين اقتنى آمون الشبيه بالإنسان خصائص مصرية. صورتان تمَّ التمييز بينهما ثيولوجياً.
عبادة آمون في النوبة تم تطويرها عبر استعارة العديد من الأفكار والسمات الايقونية من الثيولوجيا المصرية؛ لكنه على كل ومع مرور الوقت تم نسيان الأصل المصري لآمون، واختفت الكثير من أشكاله المصرية وخلقت العديد من الصور الايقونية الجديدة في المعابد والبيئة السودانيَّة القديمة.
التشابه القوى بين صور آمون في مصر والنوبة كانت سبباً للتأثير المتبادل وللإحلال المتبادل القادم من الجانبين. مارس آمون الكوشى تأثيراً على عبادة آمون في مصر. أتاح الخلق الجديد إمكانية تركيب نظام ميثولوجي جديد عكس نزعات تطور الدولة السودانية القديمة.
روبرت موركوت Robert Morkot
تتناول هذه الورقة عدداً من الموضوعات المتصلة بالدين في النوبة في عصر المملكة الحديثة. المعابد النوبية تمت الإشارة إليها كثيراً في المناقشات حول عبادة الملك في المملكة الحديثة، لكن عموماً ( وبشرعية ) بحسبانها توفر مادة لتأملات أوسع حول الموضوع. تطور عبادة الملك والمعبودات المرافقة في النوبة ما كانت تطوراً داروينياً في خط مستقيم؛ إنها كانت سلسلة من الاستجابات للزمان والمكان مرتبطة كذلك مع التطورات داخل مصر نفسها. أطوار مختلفة يمكن تحديدها كالتالي:
الطور 1 : كاموس- امنحوتب الأول
أ- إعادة احتلال النوبة السفلى- تشييد هياكل مكرسة لآلهة حورس المحلية في القلاع
ب- التوسع جنوباً إلى ما وراء الشلال الثاني وخلق معبود جديد، هورس سيد النوبة
الطور 2 : الحكم المشترك لتحتمس الثالث وحتشبسوت، الحكم المنفرد لتحتمس الثالث، وحكم امنحوتب الثاني
أ- معابد جديد داخل القلاع وخارجها وإدخال المعبد المزدوج لآمون-رع و رع-هاراختى
ب- إدماج هورس سيد النوبة مع آمون-رع- هورس الثور.
الطور 3 : امنحوتب الثالث وتوت-عنخ-آمون
أ- عبادة "الصورة الحية لنبماترا" إلى جانب عبادة آمون في صلب مع ارتباطات قمرية وفيضانية محددة، وعبادة مماثلة لتوت-عنخ-آمون في فرس.
الطور 4 : أيى وحورمحب
أ- خلق عبادة هورس جديدة: هورس مها
الطور 5 : ستى الأول والفترة المبكرة لحكم رمسيس الثاني
أ- عبادة ملك مصممة على امنحوتب الثالث في عكشة وعمارة.
الطور 6 : الفترة المتأخرة لحكم رمسيس الثاني
أ- عبادة الملك إلى جانب ثلاثية الدولة الرسمية آمون-رع، رع-حاراختى، بتاح-تاتجينان. انتشار الأشكال المقدسة للحاكم.
لدى التأمل في معابد النوبة في عصر المملكة الحديثة والمعبودات المصورة على جدرانها، تنشأ سلسلة من التساؤلات:
1 . هل يشير وجود أسلوب مصري للمعبد دائماً إلى استقرار "استعماري" مصري؟
2 . هل تمَّ إدماج الأشكال الدينية المحلية أو أنها أهملت كلياً من جانب إدارة نائب الملك؟ عموماً كان هناك افتراض بأن المصريين أهملوا الأشكال الدينية المحلية في النوبة، رغم أن المصريين في آسيا الغربية قد دمجوا المعبودات المحلية، بخاصة هاتور ( سيدة بيبلوس ) . المعبودات المحلية النوبية، على سبيل المثال، ميكت مشهودة من فترة إلى فترة، كما ويوجد تبنى واضح لمعبودات محلية مثل ايزيس العقرب، قرين هورس ( بوهين ) . يبدو أن التأثير كان محدوداً. إلا أنه على كل إذا عددنا عبادة أمنحوتب الثالث الأسدية بوصفها تبنياً لعبادة كوشية ( احتمالاً من كرمة بالتحديد ) ؟ هناك تشابهات قوية بين آمون امنحوتب في صلب و أبادماك ، لكن هل يمكن عد ذلك "ميراثاً"، "عودة للقديم" أو صدفة.
معرفتنا بالأشكال الدينية المحلية في النوبة لا زالت محدودة. آلهة هورس في النوبة يفترض عموماً أنها كانت من خلق المملكة الوسطى، لكنه غير واضح عما إذا كانت أية من المعبودات النوبية قد تم امتصاصها. في المملكة الحديثة ارتبطت آلهة هورس بمناطق النوبة السفلى الثلاث: باكى، وميام، وبوهين. بحلول مرحلة الرعامسة كانت قد عبدت في شكل ثلاثية، مماثلة لثلاثية الدولة المصرية آمون-رع، ورع-هاراختى، وبتاح-تاتجينان. مع التوسع جنوباً إلى ما وراء الشلال الثاني في الأسرة الثامنة عشر المبكرة، تم خلق هورس، سيد النوبة، لكنه أدمج مع آمون- رع في أواسط الأسرة الثامنة عشر. في أواخر الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر، عد آمون-رع في النوبة إلى الجنوب من الشلال الثاني معبوداً رئيساً. أنظر مدينة هابو سقف الحافة حيث صور آلهة مصر بدءاً من آمون يتبعه آلهة هورس في النوبة.
3 - هل اختلفت وظيفة عبادة الملك، وهى واحدة من الأشكال الدينية السائدة، في النوبة عنها في مصر؟
4 - ما هو دور النخب المحلية في الهيراركية الدينية في النوبة؟
5 - ما هو الميراث الديني للمملكة الحديثة الذى بقى في الدولة الكوشية؟ عادة ما عدت عبادة آمون في جبل البركل المحرك لميراث عبادة آمون بالنسبة لمملكة كوش المتأخرة نبتة- مروى. كان هناك تشديد على المعابد بوصفها "أضرحة شقيقة" لأضرحة طيبة ( مماثلة للأديرة المسيحية ) تستقبل التعاليم الخاصة بالعبادات والكهنة من الأمكنة المقدسة خلال الفجوة الفاصلة بين المملكة الحديثة- نبتة. لا توجد بينة تؤكد ذلك. أكثر صروح المملكة الحديثة أهمية في جبل البركل هو معبد ستى الأول- رمسيس الثاني والذي يمكن مقارنته بصورة عامة بصروح النوبة السفلى، مثل جرف حسين. ليست هناك بينة نصية واضحة على أن آمون داخل جبل في أبى سمبل يمثل جبل البركل. يشار إلى آمون النبتي في منزل الميلاد في أبى سمبل. على كل ليست هناك بينة دالة على أي من الميراث أو التجديد في العصر النبتى.
يرجع نقش كاريمالا بعض سوء طالع كوش إلى الهفوات تجاه عبادة آمون والتي تم استعادة الاهتمام بها من جانب ملك (غير مسمى). إذا بقى أي "ميراث" لعبادة آمون بعد المملكة الحديثة، فإن ذلك في الغالب ما يكون بقاء كوة مركزاً. نقوش تهارقا من كوة تسجل تكريس الملك الارا لآمون كوة. أعمال تشييد هائلة في البركل تبدأ في عهد بيَّا ( أو كاشتا ) . شيد تهارقا في كوة، واحتمالا في تبو، وصنم. معبد صنم كرس لآمون-رع الثور، سيد النوبة، في شكله المتأخر.
هانس اكا نوردستروم Hans Åke Nordström
جبانات المجموعة النوبية الأولى المسجلة بين الجندلين النيليين الأول والثاني والمؤرخة 3500 –2900 ق.م. قدمت مادة مصدرية هامة وغنية ومتنوعة من القرابين الجنائزية. هذه الورقة بمثابة تقرير مبدئي يقدم تراتباً نوعياً وكمياً لعدد كبير من مدافن المجموعة الأولى في النوبة السفلى ( باستثناء قبور قسطل ) .
أسس التراتب على قاعدة دمج عدد من اللقيا وعدد من أنواع المكتشفات المختلفة. أجرى التحليل على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى دراسة حالة بالنسبة لواحدة من الجبانات الأحسن توثيقاً في النوبة السفلى، رقم 277 من أعمال البعثة الاسكندنافية المشتركة، الواقعة بالقرب من وادي حلفا. المرحلة الثانية اختبار لمعظم المدافن المنشورة حتى الآن، مع التشديد على الجبانات التى تنتمي للمرحلتين الكلاسيكية والختامية للمجموعة الأولى، في حين تحاول المرحلة الثالثة تحديد تراتب الجبانات نفسها.
يشير مصطلح المنظر الاجتماعي في هذا المحتوى إلى العلاقات والأنماط فيما يتعلق بالعمر، والجنس، والتنظيم الاجتماعي الذى يمكن إدراكه في الجبانات، وفي المناطق، وفي الأطوار الكرونولوجية على امتداد النوبة السفلى. تظهر النتائج أن ثقافة المجموعة الأولى طورت في النهاية بنية اجتماعية واضحة وناضجة، احتمالا تنتظم حول أس أنثوي مع تقاليد أمومية قوية، احتل فيه الرجال مجالاً اجتماعياً مختلفاً مع شعائرهم المزية الخاصة. النمط المثابر لجبانات القرية العادية تميز في الأساس بتزايد وفرة المدافن الأنثوية.
وكما في مصر ما قبل الأسرية يلاحظ انتقال من مجتمع سابق موحد التراتب باتجاه بنية أكثر تعقيداً مع عدم مساواة اجتماعية واضحة تطورت خلال المرحلة الختامية للمجموعة الأولى في وقت متزامن مع نشؤ الأسرة الأولى في مصر حوالي 3000 ق.م. . تكشف المادة كذلك عن نمط مكاني واضح لعدد من الجبانات الغنية نسبياً مع مدافن للنخب، احتمالا تعكس البنية السياسية المتطورة من قبل وأثناء نشؤ مركب قسطل في الجزء الجنوبى للنوبة السفلى.
جاك رينولد Jacques Reinold
وادي الخوىّ، إلى الجنوب من الشلال الثالث، هو حوض قديم للنيل، يجرى حوالي 123 كيلومتر إلى الشرق من مجرى النيل الحالي. منذ الألفية السادسة من تاريخ اليوم، شكَّل هذا الوادي حوضاً زراعياً غنياً، شجع على نشؤ العديد من التجمعات النيوليتية. ظلت الوحدة الفرنسية التابعة للإدارة العامة للآثار والمتاحف القومية السودانية تدرس هذه المنطقة منذ عام 1986 . تمَّ تسجيل بعض ثلاثين موقعاً؛ نصفها تقريباً يمثل جبانات. في معظم الحالات اختفت مواقع الإقامة كلياً بفعل الإفراغ، لكن الدراسة المتأنية للجبانات قادت إلى اكتشافات هامة. التحليل الدقيق للمدافن ، علاقات الهياكل واتجاهاتها، التوزيع المكاني لمحتويات القبر تشير إلى أن تلك الجبانات كانت في الأساس تجسيداً على الأرض للتنظيم الاجتماعي لمجتمعاتها. إنها تكشف أنه تقريباً منذ الألفية الخامسة من تاريخ اليوم ( الألفية الثالثة ق.م. ) عاش أهل هذه المنطقة في مجتمعات شديدة التراتب الهيراركى.
المنظر المقدس،والهُويَّة التاريخية والذاكرة. مظاهر المعمار الحضري النبتي والمروى
لازلو توروك László Török
في هذه الورقة تناقش البنية الحضرية لأربع مدن كوشية، مدينة مروى، ونبتة، وصنم، وكوة من وجهة نظر النقاط الخاصة التالية: 1) محتوى الموقع الجغرافي والوظيفة السياسية؛ 2) المدن بحسبانها محطات لممارسات شعائرية طقوسية؛ 3) المدينة بوصفها مكاناً لتجديد الهُويَّة السياسية؛ 4) معابد آمون بوصفها أرشيفات للذاكرة التاريخية.
1) محتوى الموقع الجغرافي والوظيفة السياسية تمت دراستهما في حالة مدينة مروى، التى شيدت على الجزر المحاطة (فصلياً) بفروع النيل/ أو الوديان التى تمتلئ فصلياً بمياه الأمطار حيث عدت الجزيرة التى أقيم عليها معبد آمون والقصر الملكي صورة للمرتفع البدئي؛ ونبتة التى شيدت في جبل البركل، الجبل النقي الذى عد مكاناً لإقامة آمون النبتي. التفسير الأسطوري لموقع مدينة مروى تتم مناقشته بمزيد من التفصيل على أساس البينة التى توفرها اللقيا من المكان المائي المروى المقدس.
2) مدينة مروى، ونبتة، وكوة وبنوبس/ كرمة ( التى لم تناقش هنا لانعدام معطيات آثارية بشأن الإقامة ) دمجت مفهومياً كمحطات لعمليات تقلد المنصب الملكي الذى تشكل ليتوافق مع تلك الإقامات بوصفها ( فعلياً أو رمزياً ) مراكز لحكومات سابقة مستقلة في إطار أسطورة متجانسة للدولة الكوشية. مثلت صنم صنفاً مختلفاً للإقامة الحضرية من حيث أصول وظائفها في البنية الحكومية. الصلة بين معبد آمون فيها ومعبد آمون الكبير في نبتة نوقشت هنا على أساس البينة المعمارية والإيقونية وثيقة الصلة بالعلاقات الطقوسية بين المكانين المقدسين التى يعتقد الباحث بأنها تأثرت بصورة نهائية بالعلاقة بين آمون الكرنك وآمون- كاموتف في مدينة هابو.
3) في أعقاب مناقشة أهمية احتفالات آمون الكوشي، تمَّ تحليل تخطيط المنطق المركزية لمدينة مروى، ونبتة، وكوة كما حتمتها مواكب الآمونات المحلية والحاكم.
4) في القسم الختامي للورقة تمت مناقشة المحتوى المفهومي للصروح النحتية والنقوش الملكية التى نفذت في معبد معبد آمون الكبير في نبتة ومعابد كوة من وجهة نظر أهميتها السياسية الاجتماعية.
دومنيك فالبل Dominique Valbelle
إن فهم مدنية مثل ثقافة كرمة، التى كانت نشطة على مدى أكثر من ألفية وتعرضت لتأثيرات خارجية عبر تاريخها- بعض تلك التأثيرات آتية من أفريقيا، بعضها قادمة من مصر- بالطبع تحدياً دائماً. نماذجها الأفريقية ظلت غير معروفة بالنسبة لنا، أننا، من الوهلة الأولى، مضطرين إلى حصر أنفسنا في المفاتيح التى يقدمها النموذج المصري. لكن علينا أن ندرك حقيقة أن هذا النموذج قد استخدم بطريقة خاصة والتي قد تكون جد مختلفة من الآخر الأصلي.
تصوير الملك في كرمة، صورة ملك مصر، واستخدام كرمة للكتابة تمثل بعض أفضل التناولات المتوفرة لنا لتكوين فكرة عن طريقة كرمة في للتعبير عن مفهوم الدولة والملكي ة.
بهدف التأمل في تلك الموضوعات قمت بإعادة دراسة التماثيل المصرية بالإضافة إلى الآثار الكتابية الأخرى التى تمَّ الكشف عنها في مملكة كرمة، سواء في الموقع نفسه أو أنها مبعثرة في المنطقة الخاضعة لسلطنها. يعتقد المرء اليوم أن كل تلك الآثار قد أخذت من قلاع الشلال الثاني أثناء المرحلة الانتقالية الثانية. إلا أن الوضع يبدو ليَّ أكثر تعقيداً.
أولاً وقبل كل شئ، تتيسر ملاحظة أن الصيغ القرابينية المحفورة في بعض الآثار- الخالية من أي تلميح للآلهة النوبيين، مثل حورس بوهين، على سسبيل المثال- تشير إلى أنها نفذت في مصر لمعابد أو جبانات مختلفة- دندرا، وأبيدوس، وهيراكونبوليس أو الفنتين- من حيث أتت. هذا السؤال لا بدَّ من اختباره في إطار المحتوى الكرونولوجى لكل قطعة.
إضافة، موقعها المفترض السابق في قلاع الشلال الثاني لا يمكن عده واحداً عادياً أكثر من الذى نلاحظه في كرمة: آثار بوهين من المملكة الوسطى ومن المرحلة الانتقالية الثانية تحمل نقوشاً جد مختلفة تشمل، على سبيل المثال، الآلهة المحلية. اللافت للانتباه أن هذه النقطة لم تؤخذ في الحسبان. بعض الدراسات الحديثة الحالية التى الانتقالات المتعاقبة لتمثالين ملكيين خلال المرحلة الانتقالية الثانية، تقودنا على كل في الاتجاه نفسه.
ثانياً، العديد من تلك الآثار كشف عنها ملقية على السطح في مقابر كرمة؛ معظم الآثار الأخرى اكتظت بها أماكن التخزين السري كما اعتاد المصريون أن يفعلوا مع الأشياء المقدسة التى يستغنى عنها. بالتالي فإننا حتى عندما نعرف المكان الدقيق للكشف عنها نظل غير واثقين من أنها لم تحرك من مكان إلى آخر مرة أو أكثر من مرة، بخاصة عندما يكون الآثاريون قد وجدوا التماثيل غير مكتملة. كل تلك الملاحظات تجعل تفسير الآثار المصرية في كرمة شائكة إلى حد ما.
للتمكن من تكوين تصور أفضل عن استخدام مثل تلك الآثار المصرية في مصر وخارجها، فان وضعها في كرمة يمكن مقاربته مع تلم التى تنتمي إلى نفس مجموعة الآثار في المواقع المصرية، وكذلك في أفاريس والمواقع في الشرق الأدنى حيث تم الكشف عن البعض منها. العديد من الدراسات التى أجريت على تلك الوثائق المحددة تسهم في الكشف عن تنوع الممارسات المرتبطة بها، من مكان إلى آخر حسب السياسة الدولية في تلك الفترة.
العديد من الاختلافات في الأوضاع يمكن الكشف عنها. بعض الفئات المعتبرة من الآثار صنعت ليتم إرسالها من قبل الفرعون إلى الملوك الأجانب، مثل الزهريات الحجرية المصنوعة بمناسبة اليوبيلات، أو مثل التماثيل الملكية لأغراض مختلفة. السؤال الذى تثيره الآثار الخاصة مختلف في الغالب. لا زال حله أكثر صعوبة، لكن ستتم دراسته أيضاً.
في كرمة نفسها، سيتم تفسير نتائج تلك الدراسات المتعددة على ضوء ما نعرفه سلفاً عن عادات كرمة. الآثار القليلة المصنوعة محلياً ثمينة للغاية في اعتقادنا، ذلك أنه يمكن عدها ترجمة أصيلة "لنماذج" مصرية.نظرة واسعة على نشاطات الممالك الأفريقية المدروسة حتى الآن- بخاصة الخاصة بتماثيل ملوكها وسلوكياتهم فيما يتعلق بالكتابة- يمكن أن تساعدنا في نهاية المطاف في فهم بعض استنتاجاتنا، شريطة أن نظل مدركين للمفارقات التاريخية والتباعد الجغرافي للنماذج المتوفرة، مثل تلم الحديثة في مالي، وبنين أو الكمرون.
جانيس يلين Janice W. Yellin
صار من المقبول عموماً أنه في القرون الأولى بعد انتقال العاصمة جنوباً من نبتة إلى مروى أصبحت جوانب هامة من ثقافة النخب الكوشية تظهر سمات ما كانت مشهودة خلال الفترة النبتية. سميت تلك الأشكال الثقافية الجديدة تحديداً "المروية" ويعتقد بأنها تمثل تحولات ثقافية و/ أو اثنية تميز المجتمع المروى عن النبتي. من بين التحولات الأكثر تجلياً: أشكال جديدة من زخرف المسلات وموائد القرابين، وأنواع جديدة من النحت النافر، وتنظيم جديد للمدافن في الجبانات الملكية المختلفة، ودور جديد للنساء من الأسر الملكية، وبالطبع الظهور المكتوب للغة المروية.
على كل، فإن طبيعة هذا "المفترق" في التاريخ والثقافة الكوشية، والعملية التى تم بها، غير مفهومين بصورة جيدة. ما هو أصل تلك السمات؟ إلى أي مدى تشير تلك السمات إلى انفصال عن التقاليد النبتية؟ إذا كان الأمر كذلك ما هو عمق الانفصال عن الماضي النبتي؟ هل تمثل تلك السمات المسماة "المروية" نشاطات أسرة جنوبية جديدة في أوج المملكة الكوشية أم مجرد تضمين لسمات محلية أدخلت عن طريق مجموعة كهنة محليين مختلفة؟ ما هي السرعة التى تمت بها عملية التغير؟ هل كانت تطوراً عبر الزمن أو عملية تغير "ثورية" أشد سرعة؟
تحاول هذه الورقة استكشاف هذه الموضوعات وغيرها من خلال تحليل البينة الآثارية من المدافن الملكية للفترة النبتية المتأخرة والفترة المروية المبكرة بهدف إنجاز فهم أفضل لطبيعة التغير الثقافي وسرعته أثناء هذه المرحلة الانتقالية كما يتجلى في المعمار الجنائزي، والطقوس الجنائزية، والنصوص الجنائزية ( بما في ذلك استخدام الألقاب الملكية وغيرها ) ، والنحوت النافرة لهياكل الأهرام واللقيا المرتبطة بالمقابر. على سبيل المثال، يشير البحث المبدئي المعتمد على أقدم مدافن الملوك والملكات في مروى في البجراوية جنوب إلى أن السمات "المروية" تبدأ في الظهور في أكثر تلك المدافن قدماً وليس بعد عدة أجيال كما يعتقد في بعض الحالات. أهمية هذا ومكتشفات أخرى سيتم تناولها إسهاماً باتجاه تأسيس فهم أعمق للعملية التى أصبحت بها الثقافة النبتية "مروية.